وأنا أتابع النقاش الذي أُثير في مجلس النواب حول مشروع قانون التنظيم الذاتي للصحافة، أدركت أننا لا نناقش تنظيماً لمهنة، بل نشهد محاولة لإعادة هندسة العقل الصحافي بما يخدم منطق السيطرة لا منطق الحرية.
النقاش لم يكن حول تحسين شروط العمل، ولا حول استقلالية المؤسسات الصحافية، بل كان أقرب إلى استعراض تقني لتقنين الهيمنة، وصياغة “عقد إذعان” جديد باسم التنظيم الذاتي.
حينما يتحوّل الأبيض في الصحافة إلى رمادي، ثم إلى أسود قاتم، ثم إلى أداة عدوان ضد الوعي، ففتّش عن يد الحكومة في الإعلام.
وحينما يُفرغ الحق من مضمونه، ويتحوّل الشك إلى رواية رسمية، وتُصبح الأكاذيب بهتانًا مشرعنًا، ففتّش عن مشاريع القوانين التي تُسوَّق على أنها “إصلاحات”.
لقد علمتنا دروس التاريخ أن كل حكومة تخشى النقد، ولا تقوى على المواجهة بالحجة، تلجأ إلى إحكام السيطرة على الكلمة. تسبق قراراتها جوقة دعائية، وترافقها لجان تأديبية، ويتبعها خطاب مُمَنهج يُعيد إنتاج الولاء بدل أن يوسّع هامش التعبير.
والحال أننا اليوم أمام معركة لم تُفتح على قاعدة تفاوضية متكافئة، بل على أرضية مغلقة، حُسمت نتيجتها قبل أن تبدأ. قانون يُقدَّم على أنه لحماية المهنة، لكنه في جوهره مشروع تفكيك ممنهج لما تبقّى من استقلالية الصحافة المغربية.
ضع مفردات ما يسمى بـ”العمل الإعلامي الجديد” أمام هشاشة الجسم المهني، وتواطؤ بعض المنتسبين إليه، وصمت مؤسسات من المفترض أن تحمي حرية الرأي والتعبير، ستدرك سريعًا أن المأساة تتجاوز القانون، وتمس جوهر وظيفة الصحافة كسلطة رابعة.
ردّد الكذبة ثم رددها، حتى تصير قانونًا. زَيِّنها بمفردات المهنية، والأخلاق، والنزاهة، ثم اجعل منها سيفًا تشريعيًا مسلطًا على رقاب من تبقّى من الصحافيين الأحرار.
في النهاية، ليس الخطر في النصوص القانونية بحد ذاتها، بل في نوايا من يصوغها، ومن يفعّلها، ومن يسكت عنها.
هؤلاء الذين يُتقنون فن التلاعب بالعقول تحت لافتات “المجلس” و”التقنين” و”التنظيم الذاتي”، ويشتغلون بمنهجية ودقة وبلاغة إدارية، قد ينالون الإعجاب لمهارتهم، لكنهم، من حيث المبدأ، لا يستحقون سوى الازدراء.
الصحافة ليست قطاعًا بحاجة إلى تأطير حكومي، بل فضاءً عامًا يحتاج إلى الحماية من تغوّل الحكومة، ومن الرداءة، ومن التدجين الممنهج باسم التنظيم.
بقلم: سعيد أقداد
عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
10 تعليقات
هادشي اللي وقع للصحافة فبلادنا كيخلع… الحرية ولات حلم بعيد.
كلام فالصّميم، الصحافي اليوم ولا مهدد فخبزتو وفكرّو.
تنظيم ذاتي ولا تكميم الأصوات؟ ما بقى فرق.
الصحافة خاصها تكون سلاح ضد الفساد، ماشي أداة فإيدو.
القانون الجديد فيه ريحة السيطرة، ماشي الإصلاح.
اللي ما كيهللش، كيتسدو ليه البيبان، حتى فالكلمة.
كاين خطر حقيقي على حرية التعبير، والناس ساكتة!
الصحافة دابا ولاّت خاضعة، ماشي حرة.
الصحافي الحر اليوم كيتحسب عليه النفس.
منين الحكومة كتمس الكلمة، راها كتقرب من الديكتاتورية.